فلسفـــة المشــروع الإصـــلاحي ألهمــــت جهـــود المـــواجهـــة
إدارة الأزمــــــــة اتسمــــــــت بــــالــهـــــدوء والثـقـــــــة والـحـــــــزم
نعيش في البحرين، كما يعيش العالم كله، أوقاتا صعبة ونحن نواجه وباء فيروس كورونا. هي أوقات صعبة لأنه لم يكن أحد في العالم يتوقعها، ولم تكن أي من دول العالم مستعدة لها أو تعرف كيف يجب أن تتعامل معها.
حين انتشر الفيروس، ثم تحول إلى وباء، رأينا كيف أن دولا عظمى ارتبكت وتخبطت، ووقفت في البداية عاجزة لا تعرف ماذا عليها أن تفعل بالضبط.
رأينا كيف أن الفيروس كشف أن النظم الصحية في هذه الدول العظمى هي في الحقيقة نظم متهالكة ومتخلفة وعاجزة عن التعامل مع الوباء بكفاءة.
لهذا، علينا هنا في البحرين أن نفخر بتجربتنا في مواجهة وباء كورونا والتعامل معه.
منذ وقت مبكر جدا، وقبل أن ينتشر الفيروس على نطاق عالمي واسع كما حدث بعد ذلك، كانت السلطات المسؤولة في البحرين مستعدة تماما لمواجهته، ولديها الخطط المدروسة، والتصور الواضح للإجراءات الاحترازية الواجب اتخاذها من أجل الحد من انتشاره سعيا لاحتوائه. وقد شرعت السلطات المسؤولة فورا في تنفيذ هذه الخطط وتطبيق هذه الإجراءات.
وقد حققت تجربة البحرين نجاحا كبيرا شهد به الكثيرون في العالم، واعتبروها تجربة يجب أن يتم الاقتداء بها والاستفادة منها.
وتجربة البحرين لم تقتصر على مواجهة الفيروس فقط، وإنما امتدت إلى معالجة تداعياته وتأثيراته الاقتصادية والاجتماعية في سلسلة من المبادرات التي اتخذتها الدولة للتعامل مع هذه التداعيات وتخفيف الأعباء عن المواطنين والمقيمين أيضا، وعن الشركات والمؤسسات المختلفة.
لماذا نجحت تجربة البحرين؟ وما هي العوامل التي قادت إلى هذا النجاح؟
من المهم جدا أن نجيب عن هذا السؤال لأسباب كثيرة سنشير إليها.
يمكن القول هنا إن هناك أربعة عوامل كبرى تقف وراء هذا النجاح وتفسره، هي على النحو الآتي:
العامل الأول: فلسفة الحكم في البحرين في ظل قيادة جلالة الملك والمشروع الإصلاحي الذي أطلقه جلالته.
نعرف أن المشروع الإصلاحي الكبير الذي أطلقه جلالة الملك جوهره منذ البداية أمران كبيران:
1– مصلحة المواطن أولا وقبل أي شيء؛ بمعنى أن المشروع الإصلاحي هدف أساسا منذ البداية إلى النهوض بأوضاع المواطنين وتحسينها في كل المجالات، وتحقيق نهضة اقتصادية واجتماعية شاملة لهذا الغرض.
2– تأسيس الدولة المدنية الحديثة التي جوهرها المواطنة والولاء الوطني، وترسيخ دولة المؤسسات وحكم القانون.
هذا باختصار شديد جدا هو جوهر فلسفة الحكم في ظل المشروع الإصلاحي لجلالة الملك.
من منطلق هذه الفلسفة، كان من الطبيعي حين ظهرت أزمة الفيروس أن يكون هدف حماية المواطنين والمقيمين والحفاظ على سلامتهم هدفا له أولوية مطلقة بالنسبة إلى السلطات المسؤولة، وبناء على ذلك تم وضع الخطط واتخاذ الإجراءات اللازمة.
الأمر الآخر أن المشروع الإصلاحي بما رسخه من قيم وطنية جامعة، ومن حب وولاء للوطن، كان بلا شك أحد العوامل الأساسية الكبرى لما أظهره شعب البحرين من وعي في مواجهة الأزمة، ومن حرص على المشاركة المجتمعية الفاعلة في هذه المواجهة، الأمر الذي تجسد مثلا في العدد الكبير من المواطنين الذين تطوعوا ووضعوا جهودهم تحت تصرف الجهات المسؤولة.
العامل الثاني: البنية التنموية القوية التي تأسست منذ عقود.
نعني هنا أن أحد أكبر أسباب نجاح تجربة البحرين في مواجهة وباء كورونا أن لديها أصلا بنية تنموية قوية جدا تأسست منذ عقود طويلة في ظل قيادة سمو الأمير خليفة بن سلمان للعمل الحكومي، وبالأخص في المجال الصحي.
ليس جديدا القول هنا إن البحرين حققت إنجازات كبرى في مجال التنمية البشرية عبر العقود الماضية شهدت بها كل التقارير الدولية المعنية.
نعرف أن تجربة التنمية في ظل قيادة الأمير خليفة بن سلمان للعمل الحكومي وضعت نصب أعينها منذ البداية وطوال الوقت وأعطت الأولوية القصوى للنهوض بالقطاعات التي تمس حياة المواطنين مباشرة، وبالأخص قطاعات الصحة، والتعليم، والإسكان.. وهكذا.
في هذه القطاعات حققت البحرين إنجازات كبرى، وأرست بنية أساسية قوية منذ فترة طويلة.
اليوم، تجني البحرين ثمار هذه الإنجازات، وخصوصا في المجال الصحي وهي تواجه كورونا.
نعني أن البحرين واجهت الوباء، ولديها أصلا نظام صحي قوي وقادر على التعامل مع المواجهة بكفاءة.
هذا النظام الصحي القوي الذي ترسخت دعائمه منذ عقود هو الذي سهل على السلطات المسؤولة ومكنها من وضع الخطط لمواجهة الفيروس، وتنفيذها بنجاح.
علينا ألا يغيب عن بالنا هنا ما ذكرناه من أن نظما صحية في دول عظمى انهارت وعجزت عن الصمود في وجه الفيروس.
العامل الثالث: الإدارة المباشرة للأزمة بقيادة سمو ولي العهد الأمير سلمان بن حمد.
المسألة هنا أن سمو ولي العهد قاد إدارة أزمة كورونا بأعلى درجات الكفاءة، الأمر الذي أتى بالنتائج الإيجابية الكبيرة التي نعرفها.
تجربة إدارة البحرين للأزمة بأبعادها المختلفة تستحق بحد ذاتها الدراسة والتحليل والتأمل.
لكن الأمر باختصار أن إدارة الأزمة بقيادة ولي العهد تمت وفق أدق كل الأسس والمعايير المتعارف عليها في إدارة أي أزمة كبيرة، وبشكل كفء وناجح إلى أقصى حد.
الذي حدث أنه مبكرا جدا وفور انتشار أخبار بدايات انتشار الفيروس في بعض دول العالم استشعر ولي العهد الخطر، وبادر فورا بتشكيل اللجنة الوطنية لمكافحة فيروس كورونا.
وفور تشكيل اللجنة شرعت فورا في تأدية رسالتها وفق خطة مدروسة بعناية، واتسم عملها بالجدية التامة والكفاءة.
قبل كل شيء، حرصت اللجنة على إعلان كل الحقائق والمعلومات والتفاصيل بشفافية كاملة، سواء تعلق الأمر بأعداد المصابين أو الإجراءات المتخذة، أو الوضع في البلاد بشكل عام.
وأقدمت اللجنة على اتخاذ قرارات بفرض الإجراءات الاحترازية الواجبة، وتحديث هذه الإجراءات باستمرار بحسب تطورات الوضع.
وبالإضافة إلى هذا، قامت اللجنة بحملة توعية عامة مستمرة للمواطنين والمقيمين.
باختصار، كانت قيادة سمو ولي العهد لإدارة الأزمة منذ البداية إدارة واعية حكيمة واثقة، لا ترتبك ولا تتردد في اتخاذ القرارات الواجبة.
قيادة سموه للأزمة اتسمت بالهدوء والثقة والحزم في الوقت نفسه، الأمر الذي حقق نتائج ملموسة في نجاح جهود مواجهة الفيروس على نحو ما نعرف.
العامل الرابع: وعي الشعب ومشاركته الفاعلة.
الحقيقة هنا أن شعب البحرين أظهر درجة عالية من الوعي والإدراك بخطورة الوضع أولا، ثم بالالتزام بالتعليمات والإجراءات الاحترازية المطلوبة ثانيا.
صحيح أنه حدثت بعض التجاوزات الخطيرة غير المقبولة إطلاقا، مثل بعض التجمعات الأسرية خرقا للتعليمات، الأمر الذي أدى إلى إصابة العشرات من أسرة واحدة، لكن بشكل عام يعتبر الالتزام المجتمعي العام جيدا جدا.
الأمر المهم الآخر أن شعب البحرين شارك بفعالية في جهود مواجهة الفيروس، وأبدى استعدادا للقيام بأي جهد تتطلبه هذه المواجهة.
يكفي هنا أن نشير إلى عشرات الآلاف الذين تطوعوا للمشاركة في جهود المواجهة بصورها المختلفة، وأبدوا استعدادا لتجنيد كل طاقاتهم وإمكانياتهم للمشاركة في الجهود الكبيرة التي تبذلها الدولة.
هذه باختصار هي العوامل الأساسية التي جعلت تجربة البحرين في مواجهة الفيروس تجربة ناجحة تشيد بها الكثير من الجهات الدولية، وتدعو إلى الاستفادة والتعلم منها.
حرصنا على تسجيل هذه الجوانب لسببين:
الأول: للحقيقة.. وللتاريخ.. هذ الأزمة سوف تنتهي في يوم من الأيام، ويجب أن تحفظ الذاكرة الوطنية العامة للأجيال القادمة كيف تعاملت البحرين قيادة وشعبا مع الأزمة بأعلى درجات الإحساس بالمسؤولية، وكيف نجحت في هذه المواجهة، وما هي الجوانب التي مكنتها من ذلك.
الكثيرون طالبوا بتسجيل كل تفاصيل تجربة البحرين في المواجهة بكل صورها وأبعادها وجوانبها، ونحن نؤيد تماما هذه الدعوة.
الأمر الثاني: أن الأزمة لم تنته، والمواجهة مازالت مستمرة وسوف تستمر إلى وقت لا نعلمه، ونرجو ألا يكون طويلا.
لهذا السبب، نحن بحاجة ماسة إلى معرفة مصادر القوة هذه في المواجهة التي أشرنا إليها، سعيا إلى التمسك بها وتعزيزها وتطويرها لكي نتمكن من تجاوز الأزمة تماما بنجاح.
نريد أن نقول إنه على الرغم من النجاح الذي حققته البحرين في مواجهة كورونا فإن الكل يجب أن يدرك أن المعركة لم تنته، وأننا لا يمكن أن ننتصر فيها إلا بالوعي والالتزام الكاملين من المواطنين والمقيمين بالتعليمات والإجراءات الاحترازية الواجبة، وبالمشاركة الفاعلة من جانب المجتمع بكل قواه في الجهود الهائلة التي تبذلها الدولة.
أنـــور عبدالرحمــــــن
رئيس تحرير جريدة أخبار الخليج