حكى لي أحد الأصدقاء مقتطفات من مسيرته الوظيفية وكيف أنه كان من الموظفين ذوي الأداء المتميز، إذ يقوم بإنجاز حجم عمل بالشهر قد ينوء بالعصبة من الموظفين في أشهر عدة، هذا الموظف الذي يحمل الشهادة الجامعية ومن خلال معرفتي به يتمتع بالإصرار والجدية، بل بصفات إدارية قيادية إبداعية، كما يتمتع بطاقة جبارة للعمل، فهو لا يكلّ ولا يملّ عن شغل أوقاته بالمزيد من الأعمال المفيدة، وتمتد هذه الطاقة التي بداخله لتدفعه باستمرار نحو الطموح والتقدم ونحو تحقيق الأهداف، وهو محب للاطلاع وقراءة الكتب خصوصاً الإدارية والأدبية حتى أصبح محطّ أنظار الجميع ممن حوله.
هذا الموظف ذكر أنه وعند قيام المدير العام بإصدار مجموعة من القرارات تقضي بإعادة تشكيل وتعيين مجموعة من الموظفين خلت تلك القرارات من اسمه، بل إن القرارات شملت موظفين حديثي التعيين وموظفين لم يكونوا بإمكانات ومستوى ذلك الموظف حسب رؤية الآخرين من حوله في تلك الإدارة، وقد برر صاحب الصلاحية وهو المدير العام عدم تعيين ذلك الموظف بأننا (لو عيَِّناه مديراً... خسرناه...) أي أننا سنخسر ذلك الحجم الكبير من الإنتاج ? لو أصبح مديراً أو رئيساً لقسم.
هنا يتبادر التساؤل حول الإنتاجية والأداء المتميز وكيف أصبحت هذه الميزة عقبة وعقوبة لأصحاب الهمم العالية، ثم إن ذلك يقودنا إلى تقييم العقلية التي تُدار بها بعض قطاعاتنا الحكومية والخاصة ومدى نضجها إدارياً.
هذا الموظف وغيره الكثير يواجهون الإحباط في مسيرتهم الوظيفية، وبعبارة أخرى لم يُعطوا الفرصة المناسبة لإثبات جدارتهم ولم يجدوا المساندة من المسؤولين أصحاب القرار، ولقد حذَّر الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من ذلك فقال: (من ولي من أمر المسلمين شيئاً، فولّى رجلاً وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله) رواه الحاكم في صحيحه.
والمحصلة أننا نفقد طاقات قادرة على العطاء والتميز مثل صاحبنا. وبالتالي تضاف خسارة جديدة في مسلسل خسائر الطاقات الفكرية والإدارية.
م/جميعان النصار