كان شارِد الذهنِ يومًا، يُحلّقُ في الأُفُق، وكأنهُ يستحضِرُ ذلك المشهد وتِلك الصور من الزمن البعيد، كيف مضت بِهُم الأيام، وتبدّلت الأحوال من شظف الحياةِ الى نعيمُ العيش، إلتفت إِلَيَّ ثم قال بعد أن سكت هوينه: كانت هذهِ الأرضُ صحراء قاحِلة، شاسِعةٌ مُتراميةُ الأطراف، يسودُها الفقر، ويعُمّها الجهل وإنعدام الأمن، ثم مضت بِنا السنون وتوحدّت هذة البلاد تحت حُكُم المِلك عبدالعزيز رحمة اللَّه، ومعهُ تبدّلت أحوالنا وتغيرّت، وبمجيئِه إتحّد المُجتمع حاضِرةً وبادية، وسَاد الإستقرار والأمن فيها كافة أطيافِهِم حتى بِتنا نخُرج ونحنُ مستأمنينَ لأنُفسِنا وعائلاتِنا من خلفنِا، وبات طلبُ الرِزق مُتاحًا، واسعًا على أطرافِها المُترامية، ولحِقنا بعد ذلك رَكبَ التطورِ والحضارةِ والعِلم حتى أصبحت هذة الأرض على ما نراهُ اليوم من عِزّة وقوّة وتمكينٍ ومكانة؛ لم يكُن يومًا بحاجه للحديث عن حُبِّه للوطن أمامي، كانت عيناهُ تروي قيمةُ الوطَن في قلبِه دون أن يتفوّه بكلمة، لم يكُن الوطن شيئًا ملموسًا في نظرِه، كان عُمرُه الذي قضاه تحت سمائِه، أيامُ الشظف ونعيمُ العيش، ذكرياتُ كِفاحِهِم في تِلك الصحراء التي شُيدّت على أكتافِهِم بكُلِ عطاءٍ وحُب، الوطن كان عِشقًا يذهبُ المرءُ للموتِ من أجلِه.
23 سبتمبر من كُلِّ عام لم يكُن يومًا عاديًا، كان يومًا مُحمّلاً بتضحيات كبيرة لِرجال اوفياء إمتدت لسنوات طويلة إنتهت بتوحيد هذة الأرض تحت مُسمّى المملكة العربية السعودية، وما بين ذاك وذاك كانت هُناك أرواح قُدّمت لهذه البلاد المُتراميةِ الأطراف، أبطال فَدوا هذا الوطن بأرواحِهم من أجل تأسيس هذه الدولة وبناء هذا الكيان العظيم، ليُصبح اليوم وطنًا ذات مكانة عالمية سياسيًا وإقتصاديًا نِتاج مسيرةَ أعوامًا من البِناء التي بدأها الملك المؤسس عبدالعزيز رحمهُ اللَّه بقوله: لقد كافحت وحاربت من أجلِ هذه البلاد، ولم يكُن لدّي من العِتاد سِوى قوّةُ الإيمان وقوّةُ التوحيد، ثم بعد ذلك حَافظوا على إكمالها مِن بعده أبناؤه الكِرام وصولاً إلى اليوم في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -وولي عهده الأمير محمد بن سلمان حفظهم اللَّه وأطال في عُمرِهم.
وبهذه المُناسبة أقول لكم يا أصدقائي: هذا الوطنُ الشاسِع لم يكُن يومًا مُجرّدُ أرض نسكُنُ بِها وتأوِينا، الوطن هو الذكريات، هو الحُب والأمان، ضحكاتُ الطفُولة، وفُتوّةُ الشباب، وملاذُ الشيخوخة، والمأوى الأخير لأجسادِنا حيثُ سنُدفنُ في ثراه؛ فأحمِدوا اللَّه على نعمة توحيد هذه البلاد، وأسألوا اللَّه أن لا يُبكينا يومًا عليه، وأن يحفظ لهُ أمنه وأمانه وأرضه وسمائه، وأن يرحم الأجداد الذين تأسست على أيديهم هذه البلاد، وطُوبَى لأبنائِه المُخلِصين، الساهِرين على حدودِه، والعاملين من أجلِ رِفعةِ هذا الوطن كُلاً بحسبِ عَملِه وعِلمِه ليبقى هذا الوطنَ آمِنًا في رِفعةً وعزّةٍ وقوّة، وجعل اللَّهُ هذهِ الأرض مُتقدّمة، مُزدهِرة، قائمةً بسواعِد أبنائِها تحت قيادة خادِمِ الحرمين الشريفين وولي عهده حفِظَهُم اللَّه.
وكُلَّ عام وهذا الوطن آمنًا مُستقِرًا يَرفلُ بثوبِ العِزّ والرّخاء والتقدُّمِ والإزدهار، وبارَك اللَّهُ بهذِه المسيرة، وبارَك بِمَن يقودُها، ومن يعملُ لأجلِها، ولأجلِ إستمرارها.