الطفل تيدي ستودارد لوحِظ عليه من مُعلّميه تراجعًا في مستواه الدراسي، وإهمالاً واضحًا على هيئتة الخارجية بعد أن كان من أذكى الطلاب في الفصل وأكثرهم نشاطًا وحيوية وإهتمامًا وذلك بعد إصابة والدته بمرض السرطان ومن ثم وفاتها بعد ذلك، وكان الأب أيضًا غير مُهتم بما يمُر به طفله تيدي ولم يُساعده على تجاوز الألم الذي كان يُعاني منه، وبعد أن علِمت معلّمته المُعلّمة تومسون سبب تراجُع مستواه وهيئته الرّثه أولتهُ إهتمامًا خاصًا، ودعمًا معنويًا ومُتابعه مُستمِره حتى بدأ تيدي شيئًا فشيئًا يستعيد نشاطه السابق وذكائه الدراسي المُهمَل حتى أنّه أصبح أحد أكثر الطُلاب تميزًا وتفوقًا ونجاحًا، وبعد مرور عدّة سنوات على إنتقال تيدي لصفوف أعلى ورحيله من المدرسة تلّقت المعلمة تومسون دعوة من كلية الطب لحضور حفل تخرج الدفعة ذلك العام، وكانت الدعوة موّقعة بأسم إبنك تيدي؛ تيدي الذي نجح وأصبح من أشهر الأطباء والجراحين في العالم والفضل يرجِع في ذلك إلى المُعلمة التي دعمته حتى تجاوز ظروفهُ وإنطلق في سُلَّم النجاح حتى وَصل أعلاه، لأن المُعلّم هو المُربّي الأول والقدوة الأساسية في حياة الطالب التعليميه.
هذا الحديث هو إهداء لكُل المعلّمين مع بداية العام الدراسي الجديد، الذي يعود معه أبنائنا الطُلاب ومُعلّميهِم لمدارِسهِم، ولِكُل من له يد مساهِمة في التعليم والتربية وصناعة الجيل الجديد أبعث برسائل ثلاث نُذكّر بها أنفُسَنا ومُعلِمينا وأبنائنا الطُلاب وعائِلاتِهم مَطلَع كُل عام دراسي جديد.
الرسالة الأولى: للهيئة التعليمة والإدارية، كِبار المؤثرين، بُناة الأجيال، المُربّين العُظماء؛ أقولُ لهم: بين أيديكم أجيال عظيمة لديهم طاقات وإمكانات إن أحسنتُم صِناعتها وتوجيهها أخرجتُم لنا جيلاً عظيمًا، وأفرادًا صالِحون؛ نعم ليست كُل البيئات التي ينشئ بها الطُلاب هي بيئات سوّية ومُحفّزة، وليسوا كُل الأباء والأمهات مُربّين وقُدوات، فكونوا لهم أنتُم خيرَ قدوة وخير موّجِه وخيرَ مُعلّم وخيرَ مُربّي، وتذكّروا أن الكلمات التي تخرُج مِنكُم قد تصنع لنا شخصًا عظيمًا او قد تُفقِد طالبًا ثِقتهُ وإيمانه بنفِسه وإمكانياتِه؛ تذكّروا أن السنوات تمضي ويومًا ما ستُذكّرك الأيام بحصاد غرسِك وكلماتِك وتوجيهك؛ فإنتقوا كلماتِكم وتعبيراتِكم، واسألوا الله أيُّها الشُرفاء النُبلاء أن يرزُقكم قوة الإرادة وعلُوّ الهمة وصدق العزيمة للتغيير، أخلصوا النية وإستجمِعوا همّتكم، وكونوا خِفافًا واتركوا اثرًا جميلاً في أجيالكم، وتأكدوا أن حُسنَ صنيعِكُم سيعود عليكُم يومًا ما بصورةً نبيلة تفخرون بِها.
الرسالة الثانية: للأباء والأمهات أقولُ لهُم: أبنائكُم هُم الإستثمار الحقيقي والدائم في هذه الحياة، هُم الصوت المُمتد من خلفِكم، أبنائكم هُم بُناة المستقبل، وصُنّاع التاريخ والحضارات العظيمة والمُشرّفة لأوطانِهم، الغرس الذي ستجنون ثمارهُ إن أحسنتم التربية والبذل، تقبّلوا إختلاف شخصياتِهم وقُدراتهُم، تقبّلوا أن كُل إنسان في هذه الحياة يولَد ولديه طريق نجاح مُختلِف عن الأخر حتى بين الأخوة وبالتالي كُل فرد يختلف شكلاً وجوهرًا وفكرًا وعقلًا عن الأخر، حاوروهم بعقولهم وأفكارِهم، وأرشدوهم بالقُدوةِ والحِكمة، وربّوهم على التربية الصالِحة وإحترام المُعلّم والقُدوات، علِّموهُم على تقبّل رُفقائِهم بإختلاف أشكالِهم وألوانِهم وطبقاتِهم وأفكارهِم، وأن التنمُر أفة عظيمة تُنافي ديننا وأخلاقنا ومبادئِنا وعلينا إحترام كافة الأشخاص بإختلافِهم عنّا، أخبِروهُم أن الأُمة تنهض بالعقول والعِلم لا بتوافه الأمور والجهل، وإتقوا الله في أبنائكم، وثِقوا أنّه على قدرِ بذلِكم في التربية ستجنُون ثِمار غرسِكُم، وعلى قدرِ إهتمامِكُم سيكون إهتمام أبنائكم.
الرسالة الثالثة: للأبناء الطُلاب أقولُ لهم: أنتم بُناة المستقبل، الأجيال العظيمة التي ينتظِرُها الوطن لتُساهِم في رِفعته وبنائه وتطويره، تذكّروا أن العُمرَ يمضي سريعًا، وألم التعّلُم أمام ألم الجهل لا يزِن ذرّة، فكافِحوا من أجلِ الوصول لأهدافِكُم، وتذكّروا أن المُستقبل يولَدُ من بطِن الحاضر لذلك إهتموا بصناعةِ حاضِرَكُم لتروا مُستقبَلكم أمامكم، عيشوا لحظات الدراسة بكُل إستمتاع وحُب وشغف، العقبات الصعبة ستمضي وستُبهِرِكم حلاوة الإنجاز، وبقدر إصراركُم يكونُ الإنتصار والنجاح عظيمًا، وتذكروا أننّا خُلِقنا كبشر بطبقات مُختلفة في الفكر والأهداف والإسلوب والمادة، وأن الحياة نفسها لا تسيرُ بِنا على وتيرةٍ واحدة، لذلك ليس عيبًا أن تكونوا مُختلفين، العيب أن لا تتقبلوا بيئاتِكُم وظروفَكُم، وأن لا تسعوا لتغيير واقِعكم للأفضل من خلال بناء مستقبل ينُاسِب طموحاتِكم وأمالكُم، أنتم تدينون لأنفسكم بإيصالها حيثُ تستطيعون أن تصلوا بإصرارِكُم، حارِبوا من أجلِ أحلامكُم، تعلّموا العِلم، وتذكّروا إن مقاعِد الدراسة أخرجت لنا عُلماء وأطبّاء ومهندسين ومُبتكرين ومُخترعين ومُعلّمين أكفّاء أحدثوا تغييرًا مُذهلاً على هذا الكوكب، وأنتم ليس بأقل مِنهُم قدرةً على الوصول للإنجاز وصناعة المستقبل، وَ عودًا حميدًا بُناة المستقبل.
وأخيرًا أختم كلماتي بمقوله دأب الشاعر والأديب غازي القصيبي على تِكرارها دائمًا: “التعليم بكُل وجوهه النظريّة والتدريبية والعمليّة هو مفتاح التقدّم، وما عَداه باطِل الأباطيل، وقبض الريح”
نتمنى التوفيق لكُل القائمين على العمليّة التعليمية وجعلهُ اللَّه عامًا يحمِلُ لكُم من النجاح والخيرات ما يفوق تطلّعاتكم.
دُمتم بود وسلام.