زارني البارحة في منامي فأيقظ الذكرى ، وكانت كلماتي :
في سنوات العمر الخالية ، عندما كنتُ معلماً صغيراً لايكاد أن يُرى في بحرٍ يتلاطم بالبواخر تمخرُ عباب العلم والتربية .
منهم من رحل ، ولاتزالُ ذاكرتنا ممتلئةً به ، ومنهم من لايزال على قيد النظر ، ينقصنا الوفاء بوصلهم ، فما أعقّنا !
كان من بين الراحلين سيدهم ورمز التربية والتعليم بالجوف ومحور حديثي الوالد الأستاذ الدكتور : عارف بن مفضي المسعر رحمه الله .
جاء المنام، فانبثق الكلام وتدفّقت المشاعر ، فاستذكرت :
كان أبو عبدالسلام عظيماً ، ومواقفه التي تستحق الكتابة كثيرة ، لكنني في صدد أحدها :
لقد كانت مشاعر الحب في قلبي له جيّاشة ، تجتاح قلبي ، وكلما قابلتُه أعيش صراعاٍ بين التعبير عنها وبين خوفي من نقد الناس ، فلا يزال مديراً للتعليم ، ولا أزال معلماً .
تجمعني به مناسبات كثيرة ، وكلما أشرق يقول لي قلبي : احضنه! قبّل رأسه ويده ، وعبّر عن مشاعرك ! فماألبث حتى أصحومن مشاعري إلى قول الناس : ألا ترون المنافق خالد ؟ فعل فعلته وهو مرائي ، فيغلبني هذا .
ويستمر الحب ، وأزداد منه مع كل موقف ، وتدور عجلة الزمن ،ويتقاعد الدكتور من منصبه .
هل أفرح ، فقد تحطّم الجدار ؟
أم أحزن لخسارة التربية والتعليم له ؟
ولا أزال في حيرة أقع
لخطبٍ جللٍ وقع
ألمشاعري أنتمي
أم لقول الناسِ أخضع ؟
فانتصرتُ لقلبي ، وذهبتُ إلى مقامٍ كريم ، وبصوت التلميذ الموقِّر لأستاذه :
الآن أبا عبد السلام
قال : ماذا ؟
قلت : أن أعمل بنداء قلبي
قال : وما نداؤه ؟
قلت : الحب لك
قال : أعلم .
وبخطوات سريعة مرتجفة ، قبلتُ رأسه ، وسحب يده التي أردت تقبيلها، ودمعت عيناي فرحاً ، فمسح بكريم كلماته على رأس مشاعري ، فأجّجها ، وتعلمتُ كالعادة درساً ورحلت .
رحمكَ الله أبا عبدالسلام ، وجعل منزلك الجنة ، ومنزلتك عليين .
* كتبه : خالد بن عبدالرحمن العيسى
مدير الجمعية العربية السعودية للثقافة والفنون بمنطقة الجوف