بقلم الدكتور / خالد ضيف الله مظهور الشراري
تمرّ هذه الأيام ذكرى رحيل خامس ملوك المملكة العربية السعودية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (1921-2005)، الذي تسنّم حكم المملكة من 13 يونيو 1982 وحتى السادس والعشرون من جماد الآخر 1426هـ. بمبايعة ومباركة من قِبل العائلة المالكة وكافّة أّفراد الشعب.
وكان الراحل رجل دولة من طراز رفيع، وسياسي ماهر، حقق انجازات لافته في مسيرة عملية التضامن العربي وقضايا الأمة الإسلامية، ووضع المملكة في مصاف الدول التي تصنع شراكة عالمية في نشر الأمن والسلم المنشودين في العالم.
وحقق لها ثِقلًا سياسيًا واقتصاديا وعسكريًا، ليس على مستوى المنطقة وحسب بل وعلى مستوى العالم.
حقق الملك الراحل لبلاده خلال سنوات حكمه قفزات تنموية وحضارية ومدنية كبرى، كانت استمراراً لنهج الملوك الأول من آل سعود، مع الحفاظ في الوقت نفسه بهوية المملكة الثقافية الأصيلة ذات الجذور المتأصلة في أعماق مبادئ العقيدة الإسلامية وتعاليمها السمحة، فغدت المملكة نموذجاً في التوفيق بين الأصالة والتقدم والمُعاصرة.
لقد كانت حكمته في قيادة المملكة تنطلق من مقولته الشهيرة ” لقد شرّفنا ربّ العزّة والجلال بخدمة هذه البلاد والقيام على شؤون شعبها الوفي والسهر على راحته وطمأنينة واستقراره ورفعة شأنه، والحمد لله أن مكننّا من تسخير موارد هذه البلاد وطاقاتها للوصول ببلادنا العزيزة إلى ما وصلت إليه والارتقاء بمستوى الحياة والخدمات لأبناء وطننا وتحقيق الرفاه والتنمية”.
وبالعودة إلى سيرة ومسيرة الملك فهد، نجد أنها مسيرة حافلة بالعطاء منذ فترة الشباب من العمر، فقد عَهد إليه والده الملك عبد العزيز ببعض التكليفات السياسية المهمة، وانتدبه مندوباً عنه لحضور اللقاءات التي كانت تُعقد مع زعماء القبائل في البلاد. وفي عام 1953 تمّ تعيينه في أول منصب قيادي سياسي، وزيرًا للمعارف، فعمل على تطوير التعليم في عدّة سنوات أمضاها وزيراً للمعارف.
وبعد مضي تسعة أعوام تقريبًا تقلد مهام وزارة الداخلية عام 1962، ثم بعد ذلك عُيِّن نائبًا ثانيًا لمجلس الوزراء وذلك إلى جانب منصبه وزيرًا للداخلية عام 1967. وبعد مدة من الزمن عُيِّن وليًا للعهد أثناء حكم الملك خالد عام 1975 بالإضافة إلى توليه منصب النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء.
وفضلًا عن ذلك فقد تم تسّنم الملك فهد رئاسة العديد من الهيئات، مثل مجلس الأمن الوطني، والمجلس الأعلى لشؤون البترول، مجلس التعليم العالي والجامعات، المجلس الأعلى لرعاية الشباب، اللجنة العليا لسياسية التعليم، رئيس مجلس الأسرة الحاكمة.
وشهدت فترة حكم الملك فهد تطورات سياسية وإدارية وتنموية وتعليمية كبيرة. فقد نهضت المملكة في عهده حضاريًا شملت جميع المرافق التنموية الحيوية في البلاد، جعلت من عهده عهدًا رائدًا في التحديث الشامل.
تميز عهد الملك فهد بكثير من الإنجازات، منها:
صدور ثلاثة مراسيم ملكية تتعلق بوضع النظام الأساسي للحكم، المكافئ للدستور، وإنشاء مجلس للشورى في المملكة، وإنشاء نظام المناطق في المملكة. كما تم في عهده إنشاء وزارتي الخدمة المدنية والشؤون الإسلامية، وإنشاء مشروع توسعة كل من المسجد الحرام والمسجد النبوي. فضلاً عن إنجاز جسر الملك فهد الذي يعتبر حلقة الوصل البرية بين المملكة السعودية ومملكة البحرين.
هذا فضلاً عن الاسهامات الرائدة التي حققتها المملكة في القضايا العربية والخليجية والدولية، منها تأسيس مجلس التعاون الخليجي، ورعاية واحتضان المملكة في عهده لمؤتمر الطائف سنة 1989، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية التي استمرت أكثر من عشرين عاماً، وتوقيع ما عُرف باتفاق الطائف.
والمعلوم أَن الملك فهد ارتبطت باسمه المبادرة التي طرحها عام 1982 من أَجل حلّ عادل للقضية الفلسطينية وإنهاء النزاع العربي الإسرائيلي، والتي عُرفت في المحافل السياسية الدولية بمبادرة الملك فهد.
كانت حرب الخليج الثانية عام 1991، والتي نشبت أثر غزو القوات العراقية في عهد صدام حسين دولة الكويت واحتلالها في آب 1990، إحدى المخاضات الكبرى التي واجهتها المملكة والخليج والمنطقة بأَسرها، واستطاع الملك الراحل بحكمته وحنكته تجنيب البلاد المصاعب والتحديات الداخلية والخارجية أثناء الأزمة وبعدها. وقد وقفت المملكة إلى جانب الشقيقة الكويت، ضد هذا الاحتلال وبادرت إلى اتخاذ كافّة التدابير لحّل الأزمة سلميًا، وتسبب فشل جميع المبادرات في تعجيل انطلاق معركة تحرير الكويت.
لقد تركت حقبة حكم الملك فهد بصماتٍ جليّة وعظيمة، في مسيرة المملكة وشعبها. واليوم تخطو المملكة خطوها الحثيث إلى التقدم والنهضة الشاملة، في ظل قيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان، مُتوّجةً باستراتيجية مستنيرة وراشدة برؤية المملكة 2030