بقلم عبدالله الكرشم عسيري
في مثل هذا اليوم 15 أكتوبر من كل عام هو اليوم العالمي للعصاء البيضاء, أجدها فرصةً طيبة لي في هذا اليوم الذي يعتبر بحق رمز للإعاقة البصرية؛ وقد خطرت في مكنون نفسي خاطرة بهذه المناسبة , أريد اليوم أن أتحدث بها؛ وأتكلم بها لكم من خلال الواقع الشخصي الذي أعيشه والحمد لله على كل حال .
طبعاً الخاطرة تتحدث بكل بساطة عن: كيفية تعامل المبصر مع الكفيف؟؟؟وأول من وجهنا إلى هذا الأسلوب الراقي والمتحضر في التعامل مع الكفيف هو القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهرة، قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم مُخاطباً نبيّهُ صلى الله عليه وسلم ولِأُمتهِ من بعدِه: (عَبسَ وتولى* أنْ جاءهُ الأعمى* وما يُدريكَ لعلهُ يزَّكَّى* أو يَذَّكر فتنفعه الذكرى* أما من استغنى فأنت له تصدَّى* وما عليك ألّا يزَّكَّى* وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهَّى). وإذا ما تحدثنا قليلا عن سبب نزول هذه الآيات فإننا نجد قول الإمام الشوكاني رحمه الله في تفسيره فتح القدير قال: “وقد أجمع المُفسرون على أن سبب نزول هذه الآيات: أن قوماً من أشراف قريش كانوا عند النبي صلى الله عليه وسلم، وقد طمع في إسلامهم، فأقبل عبد الله بن أم مكتوم، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقطع عليه ابن أم مكتوم كلامه، فأعرض عنه فنزلت هذه الآيات فكان النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك يبسط له رداءه ويكرمه ويوسع له في مجلسه ويقول مرحبا: (أهلا بمن عاتبني فيه ربي)” ومن هنا أخي القارئ, إذا كنت تقابل كفيفاً للمرة الأولى فإنك تتساءل كيف تتصرف معه بطريقة صحيحة تجعلك أنت والكفيف تشعران بالارتياح!, وللإجابة عن ذلك إليك الإرشادات التالية: أ- أولاً يجب أن تعرف بأن الكفيف أو الكفيفة مثله مثل أي شخص آخر لا يختلف عنك تماماً لذا عامله كما تعامل أي شخص بشكل طبيعي ودون افتعال ب- لا تُظهر له العطف الزائد والشفقة, وخاصةً كلمة (مسكين) فهذه الكلمة تجعله يشعر وكأنه عاجزٌ حقاً. ت- عند التقائك بكفيف أو كفيفة لابد من تحيته ومصافحته عوضاً عن الابتسامة التي ترسمها في وجه المبصر ث- عندما تتحدث إلى الكفيف فأعلمه أنك تتحدث إليه فهو لا يرى عينيك أصلا حتى يعلم أنك تُحدِّثه لذا ناده باسمه أو اجعل يدك عليه حتى يعرف أن الحديث مُوجهٌ إليه وخاصة عندما يكون بين مجموعة فإنك في حديثك تنتقل من شخص لآخر. ج- عند التحدُّث مع الكفيف لا تحاول رفع صوتك بل أجعل حديثك معه مثل السوي تماماً لأن ارتفاع الصوت قد يؤدي لإزعاجه.ح- لا تشعر بالإحراج عند استخدام كلمات تتعلق بالنظر مثل: (أنظر..رأيت..من وجهة نظرك…) فهذه الكلمات لا تحرج الكفيف فهو يستخدمها في حديثه وإن كان لا يرى ولا تتجنب استخدامها لأن ذلك يحرجه. خ- لا تشعر بالإحراج من التحدُّث عن كف البصر وعن إعاقته فهذا لا يضايقه لأنه قد اعتاد عليها وإنما عليك اتباع الأسلوب المناسب. د- إذا قابلت كفيفاً أو كفيفةً ومعه مرافق مبصر وكان الكفيف يريد شيئاً فلا توجه الأسئلة وتخاطب المرافق المبصر بما يريده الكفيف وإنما خاطب الكفيف نفسه فهو يستطيع التحدُّث عن نفسه والتعبير عما يريد. ذ- عند التحدُّث مع الكفيف عليك أن تستدير بوجهك وتنظر باتجاهه وإن كان لا يراك فهو يشعر ويعرف إن كنت تتحدث إليه من خلال اتجاه صوتك, كما لو أنه من غير اللائق التحدث إلى الشخص مبصر دون النظر إليه فإن ذلك ينطبق على الكفيف أيضا. - عند دخولك على الكفيف أو الكفيفة فدعه يشعر بوجودك وذلك عن طريق إخراج بعض الصوت كصوت الخطوات مثلاً ولا تعتمد على أنه يعلم بوجودك فهو لا يراك أصلاً وأنت تدخل. ز- إذا كنت قد انتهيت من حديثك وأردت الخروج مثلاً فعليك أن تُعلم الكفيف وتنبه لذلك فهو لا يراك وأنت تخرج؛ ومن المحرج له أن يتحدث إليك وهو يظن أنك مازلت في الغرفة ويكتشف بعد ذلك أنه كان يُحدث نفسه. س- لا تحاول أن تُقدم له الكثير من المساعدات للكفيف وخاصةً في الحالات التي يمكنه القيام بالعمل بمفرده فإنك إن فعلت تجعله عاجزاً عن القيام بأبسط الأفعال, ومع مرور الزمن فإنه لن يستطيع بعد ذلك الاعتماد على نفسه أبداً ويتكل على الآخرين بشكل تام.ش- إذا قام الكفيف بأداء عمل بسيط معتمداً بذلك على نفسه فلا تنظر إليه بنظرة استغراب وكأن عمله قد صار معجزةً وتقول له: هل فعلت ذلك وحدك دون مساعدة؟؟؟ فإنك تعامله وقتها وكأنه طفل. ص- إذا أردت إرشاد الكفيف إلى موضع شيء ما فلا تقل له هناك!!! فهو أصلاً لا يرى هناك … وإنما كن دقيقاً في وصفك مثلاً قل على يمينك على بعد ثلاث خطوات. ض- عند تواجدك في مكان ما مع الكفيف اشرح له ما يوجد حوله حتى تكون لديه فكرة عما يحيط به تفادياً لما قد يقع إذا تحرك دون أن يكون على علم بما حوله فقد يصطدم بأشياء أو يوقع أشياء أخرى إذا لم يكن على علم مسبقاً بموقعها؛ وكذلك فإن الأشياء المعلقة والبارزة على مستوى رأسه قد تكون خطيرة عليه إذا لم يعلم بوجودها. ط- لا تترك الأبواب نصف مفتوحة فإن ذلك يعرِّض الكفيف لخطر الاصطدام بها فالأبواب يجب أن تكون إما مغلقة تماماً أو مفتوحة تماماً. ظ- إذا لزم الأمر لتغيُّر مكان أثاث الغرفة أو تحريك أي قطعة من مكانها الذي اعتاد عليه الكفيف فعليك اعلامه بهذا التغير تجنُباً لأي صدمات غير متوقعة. ع- عند تقديمك شيئاً للكفيف لاتقل له خذ فهو لا يرى اتجاه يدك وموقعك؛ وبالتالي فإنك إما تصدر صوتاً بالشيء الذي تريد تقديمه له فيسمع الصوت ويعرف الموقع والاتجاه ويسهل عليه أخذه؛ وما أن تُقربه إلى يده حتى يشعر به فيستطيع أخذه. غ- عند تقديمك شراباً للكفيف من أي نوع لا تملأ الكأس إلى آخره فإن ذلك قد يقع بعض الشراب على ثوبه أو ملابسه. ف- إذا قدمت للكفيف طعاماً فاذكر ما هو الطعام واذكر موقعه على الطاولة وموقع الكأس والأدوات الأخرى وذلك ليتسنى له أخذه دون أن يوقعه؛ ق- إذا أردت إدخال الكفيف إلى مبنى: وكان المبنى غير مألوف للكفيف كالبيت أو الشقة مثلاً وتريد أن تصعد الدور العلْوي فاجعل يد الكفيف على مقبض الدرج أو السلم الكهربائي وخاصة في المباني الكبيرة كالأسواق حتى يفهم الكفيف بأن أمامه صعوداً, وكذا أيضا في حال النزول. ك- عند توصيلك الكفيف إلى السيارة فلا تفتح له الباب فإنك إن فعلت تعرضه لخطر الاصطدام بحافة الباب لذا يكفي أن تضع يده على مقبض باب السيارة وهو يقوم بالباقي. ل- إذا قابلت كفيفاً في الطريق فلا تمسك يده مباشرة وتقوده فقد لا يحتاج إلى مساعدتك…وعليك أولاً أن تعرض عليه المساعدة فإذا كان بحاجة إليها طلبها منك وإذا رفضها فهذا يعني أن بإمكانه الاعتماد على نفسه في هذا الأمر ويجب أن نشجعه في ذلك. م- إذا كنت تمشي مع كفيف في الطريق وطلب منك أن تقوده إلى مكان ما فلا تمشي معه مسرعاً كعادة بعض الناس, بل اجعل مشيتك معتدلة لا بالبطيء ولا بالسريع حتى إذا كانت الطريق صعوداً كالرصيف مثلا ارفع يده لأعلى وإذا كان نزولاً انزل يده لأسفل لأن المكفوف يضع العصا البيضاء جانباً إذا وُجِد من يقوده من أقرانه المبصرين ولأن السرعة تلك قد تعرض الكفيف لخطر الاصطدام أثناء المشي. ن- إذا كنت من مَن يتقابل مع الكفيف لأكثر من مرة، وفي أكثر من مكان فلا تسأله باستمرار: ما عرفتني … هل عرفتني … هل عرفتني بل يجب عليك أن تسأله مرة واحدة فإن أجابك وإلا تُبادر بالتعريف بنفسك عند بداية لقاءك معه ولا تُكرر عليه بإلحاح شديد لأن الكفيف أحياناً تختلط عليه الأصوات كما تختلط على المبصر الصور ولأن ذلك قد يقطع عليه حديثه إذا كان يتحدث وربما تتعرض لأذيته. عند توصيلك الكفيف إلى المسجد وأردتم الدخول إلى مكان الصلاة سويا فخذ حذاءه من يده وضعهما في الخانة الخاصة واعلم الكفيف برقم الخانة أو موقع الصندوق حتى يستطيع بعد الصلة أن يدل على حذاءه بنفسه إذا أراد الخروج مع شخص آخر. ي- حذاري ثم حذاري الشديد من أن تسند الكفيف أو الكفيفة للجدار أو العمود أو الحائط ويكون فوقه مباشرة نافذة مفتوحة أو مُكيف بارز على الجدار دون أن تنبهه أو تجعله يحس بيديه ذلك ومدى قُربه من مستوى رأسه, لأن هذا يكون خطراً عليه عند النهوض لِوحده إذا لم ينتبه له. ختاماً أقول: مثل ما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: في الحديث القدسي مخبراً عن ربه جل وعلى (إذا ابتليت عبدي بحبيبتيه فصبر عوضته منهما الجنة)، وحبيبتيه يعني عينيه وكما قال الصحابي الجليل حبر الأمة وترجمان القرآن عبدالله بن العباس رضي الله عنه:أِن أذهب الله من عينَيَّ نورهما …, ففي فؤادي وعقلي منهما نُورُ.عقلي ذكيٌّ وقلبي ماخلا دَخَلاً …, وفي فمي صارمٌ كالسيف مشهورُ. يعيِّرني الأعداءُ والعيبُ فيهموا …, وليسَ بعيبٍ أن يُقالَ ضريرُ. إذا أبصرَ المرءُ المروءةَ والوفاء … فإن عَمى العينينِ ليس يَضيرُ. رأيتُ العمى عزّاً, وذُخْراً, وعِصْمةً …, وإني إلى تلك الثلاثِ: فقيرُ.إخواني, ليس الأعمى من فقد بصره, وليس المعاق من جلس على الكرسي المتحرك … ولكن الأعمى من عمى قلبه عن رؤية سبيل الحق, والمعاق من أعاق لسانه ونفسه عن ذكر وعبادة الله, ومن كان معاق الأخلاق والضمير والإنسانية قال تعالى في سورة الحج: (فإنها لا تعمى الأبصارُ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) وقال أيضاً في سورة طه: (ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشةً ضنكا ونحشرهُ يوم القيامة أعما قال ربي لما حشرْتَني أعما وقد كنت بصيراً قال كذلك أتتك آياتُنا فنسيْتَها وكذلك اليوم تُنسى* وكذلك نجزي مَن أسرف ولم يؤمن بآيات ربه ول عذاب الآخرة أشد وأبقى). وقال ربي في سورة الأنفال: (إنَّ شرَّ الدوابِّ عندَ الله الصُم البُكْم الذين لا يَعقلون* ولو عَلِمَ الله فيهم خيراً لَأسمعهم ولَو أسمعهم لتولوا وهم معرضون). وقال أيضاً في سورة النمل: (إنَّك لا تُسمِع الموتى ولا تُسمِع الصم الدُعاء إذا ولو مدْبرين* وما أنت بهادِ ألعمي عن ضلالَتهم إن تُسمِع إلا من يؤمن بآياتنا فهم مسلمون)