
لطالما صوّرنا القلب والعقل كضدّين، أحدهما مندفع وعاطفي، والآخر متزن وبارد. وكأن الإنسان مجبر دومًا على أن يختار بين صوت المشاعر وصوت المنطق. ولكن، ماذا لو كان هناك لحظة تلتقي فيها العاطفة بالحكمة؟ ماذا لو استطاع القلب أن يتحدث بصوت العقل؟
الحقيقة أن أجمل قراراتنا لا تكون عقلية بحتة، ولا عاطفية صرفة. بل تلك التي نشعر بها بصدق، ونفهمها بوعي. حين نحب بعمق لكن نضع حدودًا تحمينا، حين نسامح من نحب لا لأنهم لم يخطئوا، بل لأن قلوبنا أصبحت أوسع من الجراح. وحين نرحل رغم التعلق، لأن احترام الذات أقوى من الاشتياق.
في تلك اللحظات، لا يكون القلب ضعيفًا، بل حكيمًا. يشعر، لكنه لا يندفع. يتألم، لكنه لا ينهار. يقف، لكنه لا يصرخ. إنه القلب حين يتكلم بلغةٍ يفهمها العقل، ويصمت الصخب في دواخله ليسمح للوضوح بالعبور.
ربما النضج الحقيقي لا يعني أن نكبت مشاعرنا، بل أن نوجهها. أن نحب دون أن نفقد أنفسنا، وأن نقرر دون أن نخون مشاعرنا.
وحين نصل إلى هذه المرحلة، لا نعود نرى العقل خصمًا للقلب، بل حليفًا. نكتشف أن أصدق الخيارات ليست تلك التي تُمليها علينا الظروف، بل تلك التي يهمس بها القلب… ويفهمها العقل .