كاتب المقال : محمد السنان - عكاظ
وأنا في الطائرة مسافراً من جدة إلى الرياض، بغض النظر عن تأخر الرحلة عن موعدها الأمر الذي بات متوقعا، ورسالة الخطوط السعودية التي وصلتني بتأجيل الرحلة قبل موعد الإقلاع الفعلي بدقائق قليلة! هذه الرحلة التي نظرت فيها على يميني لأجد رجلاً في الأربعينات من عمره -كما يظهر- وقد بانت عليه آثار السمنة حتى لا يكاد الكرسي يحتويه! ويلتقط أنفاسه بصعوبة ويتضح عليه الإرهاق وعدم الارتياح في جلوسه، ومع ذلك لم يزل في يده كأس كبير لمشروب غازيّ بشعار أحد مطاعم المأكولات السريعة الشهيرة، وعندما التفت على يساري رأيت شاباً في مقتبل العمر منكباً على جهازه المحمول طوال الرحلة ورقبته منحنية بشكل كامل للأمام حتى تحسب رأسه سيقع أمامه من شدة الانحناء، وسمعت من كرسي آخر خلف من بجانبي أصوات أناشيد الأطفال فالتفت فوجدت طفلاً في سنواته الأولى تكاد عيناه تلتصقان بشاشة الجهاز اللوحي الذي يمسكه بكلتا يديه! وسط انشغال الوالدين في نقاشات أخرى بعيداً عنه أو تركه مخدراً مع هذا الجهاز، حتى أنا كنت أمارس هوايتي بالكتابة منحني الرقبة ويداي بوضعٍ غير صحيح وليس بصحي!.
كل هؤلاء الأشخاص، من كان المسؤول عن خياراتهم في هذه الممارسات غير الصحية؟! كلها خيارات شخصية ما عدا الطفل فقد كان ضحية خيارات والديه، فعندما تنتشر مثل هذه الممارسات الخاطئة في المجتمع، كالإكثار من الأكل غير الصحي، فالنتيجة ازدياد في أعداد المصابين بالسمنة والمحتاجين لعلاج الأمراض المصاحبة لها، وجراحات السمنة وأدويتها، ولا ننسى بالطبع أن هناك حالات أصيبت بالسمنة وغيرها من الأمراض بأسباب جينية أو خارجة عن إرادتهم، ولكن زيادة أعداد المصابين بالأمراض نتيجة لخياراتهم تؤثر على القدرة والتكلفة في استيعاب العدد من قبل الجهات المختصة، وتؤثر على الجودة المقدمة للمرضى المحتاجين للرعاية. نعم قد تتحمل الجهات الحكومية وعلى رأسها وزارة الصحة مسؤولية التوعية الصحية وتعزيز الصحة، ولكن لنسأل أنفسنا بأمانة هل نحن أمة تقرأ التعليمات أو التوعية المنشورة؟! وإذا قرأنا فهل نحن نتبع هذه التعليمات فعلاً؟! فالإهمال في حفاظ الفرد على صحته يزيد العبء على وزارة الصحة وغيرها من القطاعات الصحية بالمملكة.
إن وزارة الصحة وغيرها من الجهات الحكومية والخاصة لا تخلو من التقصير والخلل ونقاط الضعف، ولكن كي نبدأ التغيير الحقيقي لا بد أن نبدأ بأنفسنا بتجنب ممارساتنا غير الصحية ونزيد من الممارسات الصحية، فكلنا شريك في جعل مجتمعنا صحياً أكثر وفي تطوير النظام الصحي بالمملكة، فوزارة الصحة عليها الدور الأكبر في ذلك ونحن أيضاً كمواطنين علينا دور كبير أيضاً، فالمرض أحيانا يكون بأسباب خارجة عن إرادتنا، وأحيانا يكون بسبب ممارساتنا الخاطئة، فلا تجعل المرض هو خيارك في الحياة!.